لماذا خلق الله الخلق؟.

لماذا خلق الله الخلق ؟
سؤال يردده البعض ، وقد يتبادر إلى ذهن البعض بشكل مبهم .هو أمر يدعو إلى الذهول فالغني الغير محتاج ، لما يخلق خلقا هو غير محتاج إليه؟ ، فهو ليس بحاجة إلى عبادتهم وليس بحاجة إلى أعمالهم ولا إلى وجودهم . أمر يدفعنا إلى الحيرة.
لفك الالتباس يجب النظر إلى جانبين لا إلى جانب واحد . فالنظر من جانب الذات الإلهية يستلزم هذه التساؤلات . لكن بالنظر إلى الأفعال وفعاليتها يختلف الأمر ، فالفعل حتى يصل الكمال يستلزم وجوده الفعلي . وفعله سبحانه وتعالى تام من جميع الجهات ، فلازم هذا التمام وجود الخلق على أكمل صورة سواء من إبداع الفعل أو الحكمة من وجود الفعل وغيرها من الأفعال .وهو ما يسمى بظهور الأسماء والصفات والتجلي .
قد يقول شخص لكن هنالك تفاوت في الخلق وهذا لا يعني تمام الفعل فهنالك الإنسان الذكي وهنالك الغبي وبالقول بتمام الفعل يلزم منه التساوي في الإبداع والخلق وظهوره بأكمل ما يكون.
وهذا يرد عليه بأن الضعف أو النقص إنما محله هو قابلية المستعد لظهور هذا التجلي ويكون عاكسا له ، فبفرض تمام كمال الفعل كما هو في تصور البعض ، لازمه أن تكون المخلوقات كلها على نسق واحد وكمال واحد. وهذا يعد نقصا في حد ذاته .فالبعض ظاهر فيه الجمال والبعض الأخر ظاهر فيه الجلال .
لكن هذا الخلق بعضه في مقام الظهور والفعل المباشر منه سبحانه وبعضه لا، هو ظهور من فاعل دون مرتبة الخالق في الوجود وهو ما يسمى بالعلل الطولية وبعضها أيضا يترتب وجوده على علل شرطية كما هو الحال في عالم الهيولى أو ما يسمى بالعالم الحسي .فالناظر مثلا إلى الإنسان بخلقته يجد أن وجوده قائم بتحقق شرائط منها تلقيح البويضة بحويمن ووجود مكان مناسب يستطيع استكمال تكوينه فيه وهو الرحم واتصال هذه العلقة بالأم حتى يتغذى وغيرها من الشرائط الأخرى . ومنها أيضا الروح والتي تكون بأمر وجودي من الخالق عز وجل مباشرة لا من خلال توسط أحد من هذه العلل .
وهنا قد يستشكل بعضهم فيقول ولما هذه الحاجة إلى هذا التسلسل الرتبي في العلل أو الحاجة إلى وجود الشرائط أو ما تسمونها بالعلل العرضية أصلا حتى يوجد مخلوق أخر ألا يتنافى هذا مع كمال الفعل ؟.
ويدفع هذا القول أن كمال الفعل الواقع في إيجاد الأمر أو الفعل أن لهذا الفعل أيضا قدرة وفاعلية. فعندما يدفع الإنسان عربة. فالناتج عن فعل الإنسان قوة وهذه القوة لها فاعلية أيضا وهي التحريك، والحركة أيضا لها فاعليه وهكذا.
وأيضا هذا يوصلنا إلى إشكال أخر وهو أن الفعل يكون فاعلا لشيء أخر بعده وهذا لا ينهي سلسة الأفعال ؟.
ويرد عليه نحن في عالم الهيولى ، نقع في دائرة الحركة وخروج الوجود الذي بالقوى إلى وجود بالفعل وهذه هي خاصية عالم الهيولى وفاعليته . نعم قد يقف فعل عند حد معين، لكن وقوفه هذا على إنشاء فعل أخر تكون فاعليته في إنشاء وجود بالقوة لا وجود بالفعل، مما يستلزم في ظهور هذا الفعل وخروجه إلى شرائط وفاعل أخر يخرجه من هذا الحد وهذه الدائرة. لذا يقال عن عالم الهيولى هو أدنى مراتب الوجود أو أخس العوالم.
ومن هنا يتبين لنا أن النقص هو من العلل الطولية المتدنية في المرتبة . وقدرتها على الفعل دليل على عظمة فعل الله وتمامه .
ومن هنا أيضا قد يأتي الى أذهاننا هذا التساؤل : إذا ما كان عالم الهيولى هو أخس المراتب الوجودية وكون المعلولات كلها راجعه إليه ، فضعفها وخستها راجعة إلى علة العلل وهو فعله سبحانه وتعالى .
ويرد عليه أن أخس عوالم الوجود عالم الهيولى هو عالم الحركة السيالة التي هي متجهه في حركاتها إليه سبحانه من خلال خروجها من القوة إلى الفعل نتيجة إلى تلك الحركة الناشئة في الجوهر ثم انتقالها إلى فناء ونشأة أخرى يكون فيها كمالها وظهورها بحسب حقيقتها .

قد لا يكون هذا البيان دقيقا، فمن لديه البرهان العقلي لبيان ذلك ورد ما ذكر فلا يبخل علينا بالجواب . ننتظر مناقشة الموضوع
__________________

قال أمير المؤمنين عليه السلام: مَا أَخَذَ اللهُ عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا حَتَّى أَخَذَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُعَلِّمُوا